حقوق الإنسان في الإسلام.

الأستاذ: علال المديني

عرض حول حقوق الإنسان في الإسلام.

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا

العناصر :

المبادئ العامة التي تؤطر نظرة الإسلام إلى الحقوق:

أولا : تكريم الله تعالى للإنسان باعتباره إنسان.

قبل الحديث عن الحقوق وتفاصيلها لا بد من الوقوف مع مكانة الإنسان وسمو درجته عند الله تعالى لأن من خلال معرفة هذه المكانة وهذا السمو نعرف حقوقه ونظرة الإسلام إليه ، وهنا لا بد من الإشارة أن الإسلام في مسألة الحقوق العامة وذات الطابع الإنساني يتحدث عن الإنسان ككل دون التميز بينه على أساس اللون أو العرق أو الدين ومخن الآيات القرآنية الدالة على تكريم الإنسان ،قال تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً "الإسراء:70

 ومن التكريم الذي دلت عليه الآيات القرآنية دعوة الله الملائكة السجود لأدام ، كنوع من التسليم له بالخلافة والتكريم " ﴿27﴾ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴿28﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿29﴾ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿30﴾ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴿31﴾

ثانيا : الإنسان خليفة الله في أرضه

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ

معنى ذلك أن الإنسان هو خليفة لله في الأرض يتمتع بما فيها من الطيبات ويمثل وجود الله في الأرض ، ويتحمل مسؤولية هذا الاستخلاف والحفاظ على الأمانة في حماية الكون وتحقيق العدل والمساواة حتى يكون الاستخلاف على أتم وجه وبالطريقة التي ارتضاه الله لعباده .

فالاستخلاف هو في حد ذاته  دليل على مكانة الإنسان في هذا الوجود والكون ودليل على أنه أسمى المخلوقات في الوجود ، مما يستدعي معه احترامه وتقديره على إنسانيته قبل أسي شيء أخر لأن الله تعالى في الآية الكريمة يقر بأن هذا الإنسان المستخلف يفسد في الأرض معنى أنه لا يجوز إهدار كرامة الإنسان وكينونته لسبب هذا الإفساد وإنما يحاسب كل واحد بحسب الذنب الذي ارتكبه دون نفي وتجاوز لكرامته وإنسانيته.

والآية الكريمة دليل على أن الله تعالى ميز الإنسان بحرية الاختيار والتصرف على عكس الملائكة الذين لا يتمتعون بهذه الحرية والاختيار، إلا أن هذه الحرية تترتب عليها مسؤوليات والتزامات.

ثالثا : الدعوة إلى العدل المطلق والمساواة دون الالتفات للون أو الجنس أو الدين.

ومن المبادء التي تقوم عليها نظرة الإسلام إلى حقوق الإنسان هو دعوة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى العدل المطلق بين الناس دون التمييز بينهم على أساس الدين أو النسب والجاه ، وإنما الناس سواسية أمام عدل الله وأحكامه من حيث الأصل لذلك نجد القرآن الكريم دعا في أيات كثيرة إلى العدل والقسط بين الناس

قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (سورة النحل، الآية: 90)

يقول تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ"
والرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا مكانة العادل في الإسلام حين: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" أخرجه مسلم.

نماذج  من تربية الرسول صلى الله عليه لأصحابه على احترام حقوق الإنسان:

قصة بلال بن رباحة مع أبي ذر الغفاري

أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن يجترئ عليه إلا أسامة ، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( أتشفع في حد من حدود الله ) . ثم قام فخطب ، قال : ( يا أيها الناس ، إنما ضل من كان قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وايم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها  .
الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح

مرت عليه صلى الله عليه وسلم  جنازة يهودي فقام لها، فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال: "أليست نفساً" أخرجه الإمام البخاري

وسيرالصحابة رضوان الله عليهم حبلى بنماذج من  عدلهم بين الناس دون الالتفات إلى دينهم وأعراقهم ومناصبهم في الدولة الإسلامية منها :
 قصة جبلة بن الأيهم ــ الأمير الغساني ــ مع الأعرابي الذي شكا إلي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كيف لطمه جبلة بغير حق، فلم يسع عمر إلا أن يحضر جبلة ، ويطلب إليه أن يمكن الأعرابي ليقتص منه ، لطمة بلطمة، إلا أن يعفو عنه ويصفح ، وعَزَّ علي الأمير الغساني أن يفعل ذلك، وقال لعمر بصراحة: كيف يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة ؟
فقال عمر : إن الإسلام قد سوَّى بينكما .
ولم يسع الأمير المسكين هذا المعنى الكبير، وخرج من المدينة هارباً مرتداً عن الإسلام الذي يفرض المساواة بين الملك والسوقة أمام شــرع الله ، وغلبت عليه شقوته فكان من الخاسرين .
ولم يبال عمر ولا الصحابة معه بهذه النتيجة؛ لأن ارتداد رجل عن الإسلام أهون بكثير من التهاون في تطبيق مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام ، كالمساواة، وخسارة فرد لا تقاس بخسارة مبدأ .

حقوق الإنسان في الإسلام : بين الأصالة والكونية.

قبل الحديث عن هذا المحور لا بد من الإشارة إلى قضية أساسية ومهمة وهي كون الإسلام نظر إلى قضية الحقوق بنظرة شمولية وأكثر واقعية بل رفع الحقوق الأساسية للإنسان إلى درجة الضروريات وهي مرتبة أعلى من الحقوق وهو الأمر الذي يتميز به الإسلام عن غيره من التشريعات الوصعية في هذا المجال.

فحق الدين ، وحق النفس ،حق العرض، وحق العقل ، وحق المال من الضروريات التي لا يمكن أن تستقيم الحياة بدونهم كما عبر على ذلك أئمة العلم في الإسلام يقو الإمام الشاطبي رحمه الله "فاما الضرورية فمعناها:
انها لابد منها في قيام مصالح الدين والدنيا ، بحيث اذا فقدت لم تجرِ مصالح الدنيا على استقامة ، بل على فساد ، وتهارج ، وفوت حياة .وفي الاخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين ".

أنواع الحقوق:

أولا:الحقوق المدنية :

* حق الحرية والاختيار ،وعلى رأسها حرية العقيدة شعارها في ذالك «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ » وقد قدم القرآن الكريم نماذج راقية في الدفاع عن أعظم حق من حقوق الانسان «حق معرفة الله». كما سجل أخطر انتهاكات حقوق الإنسان التي تفنن فيها الطغاة في تعذيب المومنين لمجرد إيمانهم قال تعالى« قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)» سورة البروج.

* تحريم الاسترقاق وإقرار الحرية الأصلية : وما ورد من أحكام في الإسلام تخص الرقيق كان من أجل حمايتهم في زمن كان الرق فيه عرفا عالميا ظالما ، وقد اتخذ الإسلام مجموعة من الإجراءات للقضاء على الرق ، كفرضه تحرير الرقاب كفارة لبعض المخالفات الشرعية و.......وفي حديث أبي هريرة  « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وذكر منهم: ورجل باع حرا فأكل ثمنه»

* حق الحياة : وهي هبة ونعمة ربانية لا يقدر عليها سواه.ويشمل هذا الحق :

- تحريم القتل : حيث اعتبره الإسلام من أعظم الذنوب والجرائم والموبقات ،قال تعالى : { أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا }المائدة الآية : 32     

  - تحريم الانتحار : فلا يحق لأحد أن يضع حدا لحياته أو يعتدي على جسده .وقد جاء الوعيد الشديد لمن يقدم على ذالك في نصوص كثيرة،

- تحريم الإجهاض : حيث حرمه الإسلام إلا عند الضرورة كتعرض حياة الأم لخطر محقق. وحرم الزنا وشرع له عقوبة رادعة باعتباره سببا مباشرا للإجهاض. ودعا إلى العفة والزواج صيانة للعرض والنسل.

-ثانيا: الحقوق السياسية في الإسلام

وضع الإسلام مبادئ وأسسا عامة قابلة للتطوير حسب الزمان والمكان من طرف المجتهدين المؤهلين ودعا إلى مبدأين أساسيين في الحياة السياسية :

- ثالثا:الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام.

خاتمة: ومما ينبغي الإشارة إليه في المسألة هو أن الإسلام ربط الحفاظ على هذه الحقةق بالجانب الأخروي والجزاء الإلهي في الحفاظ عليها على خلاف التشريعات الوضعية التي ربطت بين الحفاظ عليها وعدم الحفاظ عليها بالعقاب الدنيوي في حالة ثبوت الاعتداء عليها.

إضافة إلى أن هذه الحقوق التي أفقرها الإسلام هي حقوق تتمتع بامتيازات منها أنها ذات مصدر رباني مما يجعلها تتميز بالشمولية والصلاحية لكل زمان ومكان ، وبالثبات وبالعدل .

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

وللتواصل معنا في هذه المدونة بمواضيع تربوية وتعليمية وثقافية يرجي الاتصال بالبريد الاكتروني التالي :

allalmadini1982@gmail.com