موعظة في المسجد العتيق بمدينة طرفاية
إن الحمد لله نحمده ونستعين
به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل
له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد
عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
من أصلح سريرته
أصلح الله علانيته ، ومن أصلح ما بينه وبين الله عز وجل أصلح الله ما بينه وبين
الناس
في الدرس السابق وقفنا مع مسألة مهمة وعظيمة مفادها أن الله لا يغير
ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وقلنا أن التغيير يحتاج منا تصحيح علاقتنا بالله
تعالى ومع أنفسنا ، وأن المؤمن غدا أمام الله مسؤول ومحاسب عن أفعاله أصالة
ولن يعذر بفسق و جرم الناس وشيوع الفاحشة
أبدا وإنما سيحاسبه ربه لأن الله تعالى بين له الطريق الصحيح من الفاسد ومكن له من
القوة والعقل ويسر له الدين ما يجعله
قادرا على إتباع الحق والصراط المستقيم ، وصلاح النفس يكون أساسا قائما على صلاح
القلب وهو موضوع درسنا اليوم إن شاء الله تعالى صلاح القلب صلاح للجسد كله
ومنطلقنا في ذلك ما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال :ألا
وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب".
و الحديث يبن لنا فيه الرسول صلى الله عليه
وسلم مكانة إصلاح القلب في النفس وفي الفوز برضا الله ، فالقلب
هو الأساس وهو الأصل أما باقي الجوارح فهي تبع وخدم وآلات يستخدمها القلب
ويستعملها استعمال المالك للعابد .... والصانع للآلة كما قال الإمام الغزالي رحمه الله. فصلاح القلب
صلاح للجسد كله أي صلاح لليد وصلاح للسان وصلاح للعين وصلاح للبطن وصلاح للفرج
وصلاح للعقل وكما قيل "كل إناء ينضح بما فيه" فإذا كان القلب صافيا
خاليا من الشرك والنفاق والرذائل كانت الجوارح تنضح وتتكلم بما يرضي الله تعالى
ورسوله صلى الله عليه وسلم ........
أخي المؤمن يا من تتوق نفسه إلى لقاء الله وهو عنه راضي ،
ويا من يتشوق إلى الجنة والسعادة الأبدية راقب قلبك واعرفه لأن من عرف قلبه عرف
نفسه ومن عرف نفسه فقد عرف ربه .... ومن جهل قلبه فهو بغيره أجهل .... فمعرفة
القلب أصل الدين وأساس طريق السالكين إلى الله." الغزالي
ومما يحكى في القصص عن لقمان الحكيم وهو شخص
أتاه الله الحكمة والعلم والمال بعدما كان عبدا عند سيده أنه في يوم من الأيام طلب
منه سيده ومالكه أن يذبح له شاة ويأتيه بأطيب مضغتين فيها فذبحها واتي باللسان
والقلب
، ومع مرور الأيام دعاه سيده كذلك وطلب منه ذبح شاة و أن يأتيه بأخبث مضغتين وأقبح ما فيها
فذبحها وجاءه بلسانها وقلبها مرة ثانية ، فتعجب من أمره كيف جاء بنفس الأعضاء في المرة الأولى والثانية
فقال له:
كيف ذلك يا لقمان! طلبت منك أطيب ما فيها فأتيتني باللسان والقلب ثم طلبت منك أخبث
ما فيها فأتيتني بهما!
فقال لقمان: ليس شئ أطيب منهما إذا طابا ولا شئ أخبث منهما إذا خَبُثا ......فاعمل أخي المسلم على إصلاح قلبك واغسله من الشرك ومن النفاق والحقد والكراهية والبغض وتجنب المعاصي ما ظهر منها وما بطن واعلم أن الله يعلم ما في الصدور "القلوب"
فقال لقمان: ليس شئ أطيب منهما إذا طابا ولا شئ أخبث منهما إذا خَبُثا ......فاعمل أخي المسلم على إصلاح قلبك واغسله من الشرك ومن النفاق والحقد والكراهية والبغض وتجنب المعاصي ما ظهر منها وما بطن واعلم أن الله يعلم ما في الصدور "القلوب"
فلذلك أيها الأحبة في الله ونحن في هذه الدروس نحاول قدر المستطاع أن نقف
على منهج الإسلام في الإصلاح والتغيير ، قاصدين أن نصل إلى مرتبة السالكين إلى
الله بالإحسان وهي أعلى مراتب التقرب إلى الله كما أخبرنا حبيبنا محمد صلى الله
عليه وسلم " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وأن
نسمو بالأمة إلى المكانة التي اختارها الله لها " ﴿109﴾ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ ۗ ". علينا أن
نزكي أنفسنا ونصلحها وخاصة أن القرآن الكريم ربط بين تزكية النفس وفلاح الإنسان ،
ذلك الفلاح الذي جعله من أسمى الغايات للخلق قال تــــــــــعالى:" ﴿6﴾ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴿9﴾ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴿10﴾
وتزكية النفس وإصلاحها يكون "
أولا من خلال التخلي عن الأخلاق الذميمة
والأخلاق السيئة وتطهيرها من كل ما هو خبيث وذلك عن طريق التوبة والاستغفار لما لهاذين المسلكين من عظيم الأجر وفعالية نتائجهما
فالتوبة تفرح الرب قبل أن يفرح بها صاحبها وتمحو السيئات والاستغفار والتوبة هو
طريق التمكين في الدنيا والفوز في الأخرة يقول تعالى :" ﴿9﴾
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿10﴾ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿11﴾ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴿12﴾.، وعن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى
السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني
فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له" رواه مسلم.
وفي الحديث أيضا"من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث
لا يحتسب"......
بعد تخليتها من كل السلبيات والذنوب يعمل
الفرد على تأسيس صفات إيجابية وتنمية الأخلاق الحميدة الدافعة إلى الخير والمحبة
للناس وتحقيق الغنى الحقيقي للنفس وهو الرضا على النفس وأن يكون هوى الشخص موافقا
لشرع الله وهذه هي مرتبة الكمال النفسي ومبتغى كل مؤمن
يرجو لقاء الله بقلب سليم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ّ"
ونختم أيها الإخوة في الله هذه الموعظة بقصة
لصحابي جليل رضي الله عنه بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة لا شيئ يفعله
وإنما لصفاء وطهارة قلبه وخلوه من الحقد والحسد على إخوانه المسلمين "فعن أنس
بن مالك قال كنا يوما جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يطلع عليكم الآن
من هذا الفج رجل من أهل الجنة)
قال: فاطلع رجل من أهل الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد
علق نعليه في يده الشمال فسلم فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك
فطلع ذلك الرجل على مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله
عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول فلما قام النبي تبعه
عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا ادخل عليه ثلاثا فإن
رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت قال: نعم قال أنس: كان عبد الله يحدث
أنه بات معه ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار انقلب على
فراشه وذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول
إلا خيرا فلما مضت الثلاث وكدت أحتقر عمله قلت يا عبد الله: لم يكن بيني وبين
والدي هجرة ولا غضب ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثلاث مرات (يطلع الآن عليكم
رجل من أهل الجنة)
فاطلعت ثلاث مرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك
فأقتدي بك فلم أرك تعمل كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: ما هو إلا ما رأيت قال: فانصرفت عنه فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما
رأيت غير أني لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشا ولا أحسده على ما أعطاه الله
إياه إليه فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك هي التي لا نطيق .
والحمد لله رب العالمين